"لنستمر بالهجوم"... في ذكرى استشهاد خليل الوزير

"لنستمر بالهجوم"... في ذكرى استشهاد خليل الوزير

معين الطاهر

نستمر بالهجوم. هذا عنوان الرسالة التي كتبها الشهيد خليل الوزير(أبوجهاد) في 27-3-1988، أي قبل استشهادة بنحو شهر، ووجهها إلى كل الشعب الفلسطيني، والقيادة الوطنية الموحّدة، واللجان الشعبية والوطنية، والشبيبية، وإلى كل الأطر واللجان والهياكل التي أبدعتها الانتفاضة التي كان عمرها في حينه 90 يوماً.

 

يؤكد أبو جهاد، في رسالته، أن لا خيار إلا تصعيد الانتفاضة، والاستمرار في الهجوم، وأن الجماهير قوتنا وجيشنا، "وعلينا أن نحافظ على روحها الهجومية الوثابة"، وأن نضرب المثل، قبل الآخرين، في الإقدام والتضحية، "فروح الهجوم تُذكيها دائماً نار التضحية، وشعلة العطاء المتوهجة".

 

في هذه الرسالة – الوثيقة التاريخية، ثمّة برنامج واضح للانتفاضة الأولى التي كان أبو جهاد مهندسها الأول، وهو برنامج يصلح لكل انتفاضةٍ، يخوضها الشعب العربي الفلسطيني، حتى دحر الاحتلال، بما فيها الانتفاضة الراهنة، والتي تبرّر نخبٌ وقوى عدم مشاركتها فيها، أو دعمها لها بادعائها افتقارها إلى برنامج نضالي، وكأن البرامج النضالية تهبط من السماء، ولا يصوغها بشر ومناضلون، وهذا هو أبو جهاد يقدّم في رسالته هذه برنامجاً كاملاً، تبدأ كل فقرة فيه بعبارة "لنستمر بالهجوم"، وتتكرّر أحياناً، في الفقرة نفسها، أكثر من مرة، حيث بلغ تكرارها 33 مرة في ثلاث صفحات.

 

يحدّد خليل الوزير، أولاً، وضع العدو وخياراته، فهو في "المواجهة الأخيرة مع أزمته، فإما التنازل أو التشدد، وفي الخيارين معا فناؤه ومقتله، إذا تراجع نشُد عليه، وإذا تشدّد نُقاتله ونُقاومه ونستمر في الهجوم.. حتى يتنازل ويخضع ويرحل". ويؤكد أبو جهاد أن الاستمرار في الهجوم يعرّي العدو ويجعل منه "عاراً على أصدقائه، وعبئاً ثقيلاً على حلفائه".

 

ويؤكد أبو جهاد أن الاستمرار في الهجوم سيُساهم في "إنضاج شروط استنهاض الوضع العربي"، إذ إن الجماهير العربية هي في النهاية "رصيدنا، وعُمقنا، وحليفنا الاستراتيجي"، كما أن الاستمرار في الهجوم سيحوّل كل تعاطف كسبناه في أوساط الرأي العام العالمي إلى "مواقف عملية ضاغطة على الحكومات والبرلمانات والأحزاب الحاكمة"، وسيُجبر الإدارة الأميركية على الاعتراف بحقوقنا "وسيشل فعالية "اللوبي اليهودي الصهيوني في أميركا وأوروبا".

 

لا يخاف خليل الوزير من مواجهة العدو، بل يعتقد جازماً أن الثورة تقوى ويشتد عودها عبر هذه المواجهة، لكنه يحذّر "من الالتفاف على الانتفاضة وتطويقها، حتى لا نكرّر إخفاقات الماضي"، وحتى لا تسقط الانتفاضة في "الأيدي المرتعشة للسماسرة وتجار المساومات ودعاة التعايش المذل مع الاحتلال، وقبول السلام المذل المهين"، داعيا إلى المحافظة على وحدة الهدف السياسي للانتفاضة والثورة، محذراً من أن "تخدعنا مبادرة من هنا، أو مشروع من هناك"، وضمانة ذلك في نظره تتمثل "بأن نبقى موحدين، وأن نضع برنامج الانتفاضة في يد كل مواطن، حتى نحافظ على وحدة الرؤية والهدف".

 

ينطلق أبو جهاد من هذا الإطار العام، ليدخل في التفاصيل اليومية للانتفاضة، فيقدّم لها ما يشبه أن لا خيار إلا تصعيد الانتفاضة" برنامجا يوميا لفعالياتها المتصاعدة، فيطلب تأمين التنسيق والتكافل بين كل المواقع في القرى والمدن والمخيمات، وينتبه إلى ضرورة تنمية القدرات الذاتية، لأن "زمن المواجهة هو زمن التنظيم"، ويدعو إلى توسيع نطاق المظاهرات والمواجهات باستمرار، والدخول في "مواجهات تكتيكية صغيرة ومحسوبة مع سلطات الاحتلال"، دفاعاً عن أي كرامةٍ تُهان أو عرضٍ يُمس، بحيث نُنمي "الإحساس بالعزة والكرامة الوطنية"، كما يطلب تكثيف عمليات التخريب المادي والمعنوي في مؤسسات العدو، "إذ ليس غير لهيب النار المشتعلة ما يبعد الذئاب عن بيوتنا وديارنا"، ومنع الحركة على الطرقات أو إعاقتها أو إرباكها بكل وسيلة "حتى نُقطّع أوصال العدو، ونُعطّل دورة الحياة في جسده، فنُرهقه ونُدمي أعصابه، وندفعه إلى مزيدٍ من الارتباك والحيرة والتخبط"، منبها إلى ضرورة تقسيم المجموعات إلى فرق ليلية وأُخرى نهارية "فالليل صديق شعبنا ورفيق كل الفدائيين".

 

وبحسب الشهيد خليل الوزير الذي كان أول الرصاص وأول الحجارة، فإن الاستمرار في الهجوم يعني أن "نُسخر حتى هواء بلادنا ضد العدو، وأن نستفيد من طاقة الشعب، بحيث يشترك الشعب كله في المعركة ضد الاحتلال، وأن نجد مهمة لكل مواطن، رجلاً كان أو إمرأة، شاباً أو شيخاً، طفلاً أو صبياً، فالكل في المعركة، والكل في الهجوم المستمر والمتصاعد، بحيث نستنزف موارد العدو ومعنوياته، وندفعه للخروج من الصراع تحت وطأة شعوره بفداحة الثمن المادي والمعنوي" .

 

هذه هي الرسالة الوصية التي خطها خليل الوزير قبل استشهاده، بل هذا هو برنامج الانتفاضة الفلسطينية الراهنة، المتمثل بالاعتماد على الجماهير، وتحويل الانتفاضة إلى انتفاضة جماهيرية، بفعل التضحيات التي يقدم عليها أبطال السكاكين، "فروح الهجوم تُذكيها دائماً نار التضحية"، وإرهاق العدو واستنزافه، واستنهاض الوضع العربي، وتحقيق عزلة العدو في العالم كُله.

 

هكذا قال خليل الوزير، قبل استشهاده في 16 إبريل/ نيسان 1988، وأضاف محذّراً من محاولات الالتفاف على الانتفاضة، ومن أن "تخدعنا مبادرة من هنا، أو مشروع من هناك"، ومؤكداً أن الانتفاضة قادرة بشروطها هذه على دحر الاحتلال، من دون قيد أو شرط. فهل من عذر لأحد بعد، أن يتحدّث عن عبثية الانتفاضة أوانتحار أبطالها، أو أن يتذرّع بغياب برنامجها، ليبرّر تقاعسه عن المشاركة فيها، وأي برنامج أوضح من برنامج خليل الوزير.

فلنستمر بالهجوم، "فلا خيار إلا تصعيد الانتفاضة". لنستمر بالهجوم.

صحيفة العربي الجديد