عاش ومات لفلسطين

استشهاد أبو جهاد.. عاش ومات لفلسطين
بوابة الوفد - متابعات

"الانتفاضة قرار دائم وممارسة يومية تعكس أصالة شعب فلسطين وتواصله التاريخي المتجدد"، تلك كلمات قالها القائد الفلسطيني الشهيد خليل الوزير (أبو جهاد)، في التقرير الأول لانتفاضة الحجارة الذي قدمه للمجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية في بغداد في يناير 1988.
وفي مثل هذا اليوم من عام 1988 فقدت فلسطين قائدا بارزا من قيادات العمل الوطني، وأحد قيادات الثورة الفلسطينية، ومهندس الانتفاضة الأولى، خليل الوزير (أبو جهاد)، الذي طالته يد الغدر الإسرائيلية بمنزله في حي سيدي بو سعيد في تونس العاصمة.
كواتم الصوت المتطورة التي استخدمها القتلة لإطلاق 70 رصاصة بسرعة كبيرة، أصابت جسده 40 منها، لكن لم تستطع كتم صوت شعب هبّ في كل أنحاء الأرض المحتلة وفي مخيمات الشتات للتنديد بالجريمة، ليسقط أكثر من 17 شهيدا وعشرات الجرحى في مواجهات عنيفة مع الاحتلال فور الإعلان عن نبأ استشهاد الوزير.
القرار الإسرائيلي باغتيال أبو جهاد الذي قال: "لا صوت يعلو فوق صوت الانتفاضة"، اتخذ منذ زمن أبعد بكثير، فهو ليس من مؤسسي حركة فتح الأوائل في بداية الستينات فحسب، بل ومن رواد المقاومة في غزة سنة 1956، فهو هدف إسرائيلي دائم.
حينها ووفق (وكالة وفا) الفلسطينية، تساءل الكاتب الإسرائيلي رون بن شاي: "كيف يخطئ رجل مثل أبو جهاد بالسكن قرب شاطئ البحر، إلا إذا كان يعتقد أن الوضع السياسي الدولي لن يشجع على المساس بأحد زعماء منظمة التحرير ومواجهة الانتقادات الدولية؟".
لم تكن سلطات الاحتلال الإسرائيلي تجهل الدور الكبير لأبي جهاد في اندلاع الانتفاضة وتوجيهها، وقد ورد في تحليل صحافي أمريكي أن القرار بقتله يعود لكونه أحد الأوائل الذين نظموا الانتفاضة، وأنه كان يجري مكالمات هاتفية مع أشخاص في الأرض المحتلة عن طريق جنيف، ليضلل عملية التنصت الإسرائيلية، وقد اعتبره الإسرائيليون قائداً خطراً، فقرروا القضاء عليه قبل أن يوصل الانتفاضة إلى مرحلتها الثالثة، وهي إقامة الدولة أو الحكومة في المنفى.
وتضافرت الجهود على أعلى المستويات في تل أبيب، وكان الحديث عن اشتراك أربع قطع بحرية منها سفينة حراسة تحمل طائرتي هليوكوبتر لاستعمالها إذا اقتضت الحاجة للنجدة، كما تحمل إحداهما مستشفى عائماً وقد رست القطع على مقربة من المياه الإقليمية التونسية تواكبها طائرة قيادة وطائرة أخرى للتجسس والتعقب.
وأشرف عدد من كبار العسكريين الإسرائيليين بينهم في حينه الجنرال إيهود باراك والجنرال أمنون شاحاك رئيس الاستخبارات العسكرية على تنفيذ الجريمة من الجو والبحر.
وما أن انتشر الخبر المفجع في أرض الانتفاضة حتى شهدت شوارعها في 16 أبريل أعنف التظاهرات منذ قامت الانتفاضة، وبدأت التظاهرات بمسيرات صامتة حداداً وخشوعاً فبادر الجيش الإسرائيلي إلى تفريقها بقنابل الغاز المسيل للدموع وبالنار والرصاص المطاطي وانطلقت غزة، مدينة أبو جهاد بعد الرملة، تتحدى منع التجول المفروض عليها وشارك حتى الأطفال في التظاهرات وانتهى اليوم الغاضب الأول في وداع الأرض المحتلة لابنها البار باستشهاد سبعة عشر مواطناً بينهم ثلاث نساء، كما أصيب العديد بجروح بالغة، أما المعتقلون فكانوا بالمئات، ولم تتوقف الخيارات الرمزية في أسبوع أبو جهاد ولم تنزل الأعلام الفلسطينية والأعلام السوداء عن المنازل والأبنية والمساجد والكنائس.
وطالبت الهيئة الإسلامية العليا بدفن جثمان القائد الشهيد في رحاب المسجد الأقصى، وفرضت سلطات الاحتلال منع التجول على جميع مخيمات اللاجئين في الضفة والقطاع، وأعلن أن مناطق عديدة باتت مناطق عسكرية مغلقة بوجه الصحافة وأقامت معتقلاً جديداً قرب القدس أطلق عليه اسم "أنصار الصغير" وذكرت بأنها ستفتح سجناً آخر لاستيعاب المعتقلين.
ورغم الإجراءات القمعية والحصار العسكري والاقتصادي الخانق على المخيمات انطلقت التظاهرات في ذكرى الأسبوع في 22 أبريل إثر صلاة الغائب في كل مكان، تتحدى قرار منع التجول.
دفن القائد ابو جهاد في أبريل 1988 في دمشق، فكان يوماً عربياً مشهوداً، رفرفت فيه روح الانتفاضة وتكرس فيه الشهيد رمزاً خالداً من رموزها.
وكان الشهيد الوزير "الخبير في شئون الأرض المحتلة"، أعدَّ أول تقرير رسمي للانتفاضة مع نهاية الشهر الأول للانتفاضة، وقدمه للمجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية خلال انعقاده في بغداد في الفترة بين 6 و9 يناير 1988، حيث قال في تقريره، "إن الانتفاضة قرار دائم وممارسة يومية تعكس أصالة شعب فلسطين وتواصله التاريخي المتجدد"