الشهداء الثلاثة .. المعاني والدلالات (3)

الدكتور حسين ابو شنب

هبت رياح الجنة ، ويا جبل ما يهزك ريح ، هكذا أطلق الزعيم ياسر عرفات شعار التحدي بعدما اهتزت بيروت بعامة وشارع الفردان بخاصة علي أصوات الرصاص و الانفجارات بعد الساعة الواحدة والنصف من صباح يوم الثلاثاء ، العاشر من أبريل عام 1973م ، الموافق للثامن من ربيع الأول عام 1393هـ .

- فما هو الحدث :

القوات الخاصة الإسرائيلية بقيادة " ايهود باراك " الإرهابي الذي أصبح بعد ذلك رئيساً لوزراء دولة الإرهاب تقتحم منازل ثلاثة من قيادة حركة فتح وبتغطية كافية من عملاء جهاز الموساد ، والثلاثة هم ، أبو يوسف النجار – كمال عدوان – كمال ناصر ، وهي العملية التي تركت تساؤلات متعددة حول الأسباب والدلالات والمعاني والتوقعات وملامح الطريق نحو المستقبل .

جاءت هذه العملية الإجرامية بعدما استقرت قوات الثورة الفلسطينية في مواقعها الجديدة المتاخمة لمواقع العدو وبعد أن استطاعت الثورة الفلسطينية أن تنسج علاقات وطنية نضالية مع القوى الوطنية اللبنانية ، بعد العملية الفدائية عالية التأثير في ميونخ عام 1972م ، المعروفة باسم " أيلول الأسود " وهو الأمر الذي يعلن عن انطلاقة جديدة للعمل الفدائي الفلسطيني الفاعل والمتفاعل مع القوى الوطنية اللبنانية ، وأصبحت مواقع العدو في الأرض المحتلة مهددة وعلي مرمى الهدف .

- لماذا هؤلاء الثلاثة ؟

- الأول / محمد يوسف النجار (أبو يوسف) من مواليد قرية " يبنا " قضاء الرملة عام 1930م، أي أنه عاش الثورات الفلسطينية المتوالية منذ وعد بلفور عام 1917م، الذي بموجبه أصبحت أبواب الهجرة اليهودية مفتوحة وبمساعدة واسعة من دولة الانتداب البريطاني ، وفي عام 1948 م ، هاجر قسراً وظلما إلي رفح وعانى عذابات الهجرة وعقد العزم علي الجهاد ليعود إلي فلسطين ، فأنضم عام 1951م، إلي جماعة الإخوان المسلمين وتركها عام 1958م ، لينضم إلي التشكيل الفدائي المولود من رحم المعاناة " قوات العاصفة " وحركة فتح فكان من المؤسسين للحركة مع رفاقه الطلائع وتفرغ في الحركة منذ عام 1967م ، ليتولى مسئولية جهاز الإعلام ، وفي عام 1969م ، انتخب عضواً في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات .

- الثاني / كمال عدوان (أبو رامي) من مواليد قرية (بربرة) قضاء غزة عام 1933م ، وهاجر مع أسرته عام 1948م ، إلي رفح وأقام في معسكر اللاجئين وذاق مرارة اللجوء وتاقت نفسه إلي الجهاد طريقاً لتحرير فلسطين والعودة إلي الأرض وتعلم حتى حصل علي شهادة البكالوريوس في الهندسة البترولية ، وفي غزة التقى زميله خليل الوزير " أبو جهاد " في المدرسة الثانوية وعملا معاً لتشكيل اتحاد الطلاب في المدرسة ليحمله معه إلي القاهرة وتشكيل رابطة الطلاب الفلسطينيين ، ومن بعد ذلك العمل في المملكة العربية السعودية ليلتقي هناك زملائه المهندس عبد الفتاح حمود وسعيد المسحال ومن بعد ذلك إلي قطر ومصر ولبنان ليتفرغ للعمل الثوري عام 1968، ليكون نائب مفوض جهاز الإعلام في حركة فتح الذي جعله خلية نحل ومركزاً لاستقطاب الكفاءات الإعلامية الفلسطينية والعربية والأجنبية فكان حقاً مؤسس الفكرة الإعلامية النضالية ، الإعلام المقاوم ، إعلام الفعل اليومي الذي يعكس الحدث ويسهم في إنتاجه .

- الثالث / كمال حنا ناصر (ضمير الثورة ) من مواليد بيرزيت قضاء القدس عام 1924م ، تعلم في مدارسها ونال عام 1945م ، شهادة البكالوريوس في الآداب والعلوم من الجامعة الأمريكية في بيروت وعاد إلي فلسطين معلماً للأدب العربي في القدس وفي الكلية الأهلية برام الله ، وهو أديب وشاعر مبدع يحلق في أفاق القضية ، انتسب إلي حزب البعث العربي الاشتراكي عام 1952 ، باعتباره طريقاً إلي فلسطين وانتخب عضواً في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية عام 1969، بقيادة الزعيم ياسر عرفات ، وكان مسئولاً عن دائرة الإعلام والتوجيه القومي ، وهو الناطق الرسمي باسم المنظمة والمسئول الأول عن الإعلام الموحد عام 1972م ، ومضى شهيداً مع رفيقيه كمال عدوان ومحمد يوسف النجار في عملية الفردان في العاشر من ابريل 1973 م .

- ماذا بعد العملية .. ؟

 في 13 ابريل عام 1937 م ، قامت الأيدي العابثة بتفجير حافلة ركاب ( باص) في منطقة عين الرمانة بضواحي بيروت مضى علي الطريق الشهادة (26) فلسطينياً وكانت هذه العملية الإجرامية البداية التي أشعلت الحرب الأهلية في لبنان بين طرفين :

الأول : تحالف القوى الوطنية اللبنانية الفلسطينية .

الثاني : حزب الكتائب وحزب الأحرار .

وظلت هذه الحرب الأهلية المؤسفة مشتعلة حتى أنهكت الجميع ووضعت لبنان والمقاومة الفلسطينية علي طريق ملئ بالانعطافات والتعرجات ، حتى كان العدوان الإسرائيلي علي لبنان وحصار بيروت من 4/6/1982م ، وحتى نهاية أغسطس عام 1982 التي أدمت القلوب وأوجعت المخلصين وأطلق ياسر عرفات أثناءها صرخته يا وحدنا ، يا وحدنا ، لقد بدأ العصر الإسرائيلي، والكل صامت يترقب وهو ما نعيشه في هذه الأيام ويبقى أن نقول ..

العهد هو العهد ..... والقسم هو القسم

 ورحم الله شهداءنا